محمد بن موسى الخوارزمي

يعتبر من أوائل علماء الرياضيات المسلمين الذي ساهمت أعماله في تقدم الرياضيات في عصره. أسس علم الجبر وأضاف الصفر إلى الأرقام. وله العديد من المؤلفات في علوم الرياضيات والفلك. هو محمد بن موسى الخوارزمي.

محمد بن موسى الخوارزمي

هو "محمد بن موسى الخوارزمي" واحد من أعظم علماء الرياضيات في التاريخ، ليس العربي والإسلامي فحسب وإنما في تاريخ العالم كله. وهو عالم فلكي وجغرافي ومؤرخ لكن شهرته الحقيقية قامت على كونه عالما رياضيا بالدرجة الأولى، ومن شهرته أن سُمي عصره بـ "عصر الخوارزمي".


مولده ونشأته

ولد في خوارزم، في بلاد التركستان، لا يُعرف زمن مولده بالضبط، حددها بعض الباحثين بسنة ٧٨٠م. لم تدم إقامته في مسقط رأسه طويلا، إذ انتقل رفقة عائلته إلى بغداد عاصمة العباسيين وأكبر حواضر العالم الإسلامي في عصره.

استقر المقام بعائلته في قرية بالقرب من بغداد اسمها "قطربل"، حيث اشترى والده أرضا واسعة بنى فيها بيتا كبيرا وحظائر للخيل والماشية، وهناك نشأ الخوارزمي وعاش طفولته الأولى وهو يساعد والده في أعمال الزراعة.

ولد في خوارزم وانتقل لبغداد وتعلم في أحد مساجدها، وكان يتقن التركية والفارسية.

وكغيره من أبناء عصره اتجه لمسجد القرية لتلقي مبادئ القراءة والكتابة والحساب، فأخذ قسطا منها. وإلى جانب هذا كان الخوارزمي يتقن اللغتين التركية والفارسية وهما لغتا أهله، ظل والداه محافظين على هاتين اللغتين ونقلاها للأبناء، وقد ساعد هذا الخوارزمي فيما بعد على التعرف على الثقافة الشرقية والإطلاع على الرصيد العلمي بالفارسية خاصة، بل قام بالترجمة من الفارسية إلى العربية.

بعد أن شب الخوارزمي اكتشف ميوله للحساب وحبّه للعلوم الرياضية، وأدرك اختلافه وتفوقه عن أقرانه، فذهب إلى إمام مسجد "قطربل" وحدثه في هذا الصدد وأخبره عن قدرته على الحساب وتصور الأشكال الهندسية. أدرك الإمام مدى شغف هذا الفتى بتعلم الرياضيات بل وتنبأ له بأنه سيكون من أعظم العلماء فيها، ونصحه بأن يترك العمل في الزراعة وأن يرحل إلى بغداد لطلب العلم هناك، وحدّثه عن مكتبة بيت الحكمة، وما تحويه من كتب ونفائس ستشبع رغباته العلمية.

هذا بعد أن وعده الإمام أن يبذل جهده لإقناع والده على إرساله إلى بغداد، وبالفعل تمكن الإمام من إقناع والد الخوارزمي بمدى حاجة ابنه للسفر وبأنه هناك سيتفرغ لطلب العلم على أيدي كبار العلماء وتُفتح له الآفاق.


انتقاله إلى بغداد

سافر الخوارزمي إلى بغداد وظل هناك يتلقى العلم في بيت الحكمة على يد العلماء المشتغلين بها، فقضى عامين في دراسة الرياضيات حتى نال الإجازة العلمية وشهد له أساتذته بالتفوق والنبوغ والامتياز، فقد تمكن خلال تلك الفترة من الإحاطة بكل معارف القدماء وأهل عصره في الرياضيات.

وفي هذه الفترة تزوج وأنجب ابنه الأول وسماه جعفر فصارت كنيته أبا جعفر، وبعد حصوله على الإجازة بدأ الخوارزمي يتخذ للشهرة طريقا في المدينة، حتى سمع به الخليفة "هارون الرشيد" فقد صار حديث العلماء في مجلسه، وعندئذ طلب مقابلته.

التحق ببيت الحكمة لتعلم الرياضيات، فأعجب به الخليفة وعينه بالمكتبة وألحقه بأعمال الرصد الفلكي.

حضر الخوارزمي في مجلس العلماء والتقى بالخليفة فأعجب به هذا الأخير فقد وجده عالما فذا في الرياضيات وأشاد بمعرفته وعلمه، وأمر بتعيينه في مكتبة بيت الحكمة ضمن علماء الرياضيات، كان هذا مصدر فرح عظيم للخوارزمي بحيث سيتيح له هذا مواصلة طلب العلم والإطلاع على سائر الكتب الموجودة في المكتبة التي كانت تضم أعظم وأهم الكتب في شتى العلوم والمعارف.

ومن هناك بدأ نجم الخوارزمي يسطع، فقد استمر في هذا المنصب إلى غاية وفاة الخليفة هارون الرشيد، يعمل بالمكتبة وينهل من مكنوناتها. وفي عهد الخليفة المأمون انتقل للعمل بمكتبة القصر حيث عينه الخليفة أمينا عليها، فقام بتنظيم المكتبة وترتيب كتبها وأضاف إليها المزيد من الكتب والمؤلفات المهمة في شتى ميادين العلم والمعرفة.

كما سمح له بالمشاركة في أعمال الرصد الفلكي التي أنشأ لها المأمون مرصدا فلكيا خاصا في بغداد، جمع له أفاضل العلماء للبحث في الجغرافيا والفلك. انهمك الخوارزمي في أعمال الرصد الفلكي التي طلبها المأمون. وخلال هذه الفترة وضع كتابه المعروف باسم "الربع المعمور" أو "صورة الأرض وما بها من المدن والجبال والبحار والأنهار"، وقدمه للمأمون الذي فرح به فرحا عظيما ووصفه العلماء في مجلسه بأنه أعظم مؤلفات العصر في الفلك والجغرافيا. وهكذا أثبت براعته في الجغرافيا والفلك بين علماء عصره.


اسهاماته في الترجمة

بالإضافة إلى عمله في الرصد وفي خزانة القصر، عمل الخوارزمي بالترجمة واهتم بها كثيرا، خاصة أن عصره عرف حركة نشيطة في ميدان الترجمة، حيث شجع الخلفاء منذ عهد هارون الرشيد ترجمة الكتب اليونانية والرومانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية والاستفادة من العلوم والمعارف التي توصل إليها القدماء.

فكان الخوارزمي ممن عملوا بجد وإتقان في ترجمة هذه المصنفات خاصة ما تعلق منها بالعلوم الرياضية والفلكية التي تناسب ميوله واهتماماته، فقد كان من أعظم من عملوا في الترجمة وله فضل عظيم على الثقافة العربية بما نقله إليها من ترجمات لأهم وأشهر كتب اليونان، والهند، والفرس.

له اسهامات كبيرة في مجال الترجمة، وعلى رأسها ترجمة كتاب الرياضيات "السند هند".

ولعل ما زاد من قيمة المؤلفات والكتب التي ترجمها الخوارزمي أنه لم يكتف بنقلها للعربية فحسب وإنما حرص على تلخيصها وشرح وتبسيط ما جاء فيها حتى تصبح في متناول الجميع ويتسع المجال أكثر للاستفادة منها، كما ساهم من خلال ترجماته في تصحيح الكثير من الأفكار والمعتقدات الخاطئة لدى العامة والعلماء نتيجة لعدم فهمهم لبعض كتب اليونان القديمة.

وبسبب ميوله للعلوم الرياضية صب اهتمامه على ترجمة المؤلفات ذات الأهمية الكبيرة في هذا الميدان، وعلى شرحها وتبسيط المعلومات الواردة فيها، في مقدمتها كتاب "السند هند" الذي ألفه أحد عظماء الهنود في الفلك والرياضيات، وكان هذا الكتاب قد نقل إلى العربية في زمن الخليفة أبو جعفر المنصور.

لكنه ظل مركونا في مكتبة القصر لا يستفيد منه أحد نظرا لغموض أسلوبه وتعقيد معارفه الرياضية والفلكية، وعندما تولى الخوارزمي أمانة المكتبة اطلع عليه وأعجب به فعكف على شرحه وتلخيصه وتعديل جداوله الرياضية والفلكية، وأضاف إليه المعارف المعروفة عند العرب وهكذا ازدادت قيمة الكتاب أكثر وأصبحت له فائدة علمية وعملية كبيرة بفضل جهود الخوارزمي.


تعلمه الرياضيات الهندية

في عهد الخليفة المعتصم تم إلقاء القبض على عدد كبير من قطاع الطرق الهنود وأسروا في بغداد، ولما علم الخوارزمي بذلك ذهب إليهم وطلب من أحدهم أن يعلمه مما يعرف في الرياضيات ويطلعه على أسرار الحساب والمعارف الهندية.

وبالفعل ظل العالم الهندي الأسير في بغداد يعلم الخوارزمي علم الرياضيات الهندية، فعلمه طريقة الحساب التي تتم بها إجراء العمليات الحسابية الرياضية بالأرقام الغبارية (وهي الأرقام العددية كما سماها الخوارزمي فيما بعد)، وأطلعه على جدول الأرقام الهندية وعلمه طريقة الحساب.


انجازات الخوارزمي العلمية

يعود الفضل للخوارزمي في الكثير من الانجازات العلمية التي أحدثت ثورة في العلوم الرياضية، لايزال تأثيرها إلى اليوم، ومن أهم انجازاته:


ابتكار الصفر

وبينما كان يتعلم على جدول الأرقام لاحظ الخوارزمي وجود خانات فارغة في الجدول أخبره بأنه لا توجد بها أرقام وأن هذه الخانات تسمى "سونيا" تدل على فراغ، فقد كانت الأرقام الهندية تبدأ من رقم ١ وتنتهي إلى رقم ٩، وحينها فكر الخوارزمي في إضافة رمز يعبّر عن هذا الفراغ، وبهذا يكون قد ابتكر الصفر وأدرك قيمته، وأصبح من الممكن أن تتكاثر الأعداد إلى ما لا نهاية وأن تزداد عمليات الحساب بها من ضرب وجمع وقسمة وطرح أيضا إلى ما لا نهاية.

وعليه بعد أن تعرف الخوارزمي على الأرقام العددية الهندية تمكن من إجراء عمليات حسابية باستخدام الأرقام عكس ما كان منتشرا لدى العرب -وغيرهم من الشعوب منذ القديم- وهي طريقة حساب الجمل بتعويض الأعداد بحروف الأبجدية. وبعد أن صار يجري العمليات بالأرقام العددية بطريقة الحساب الهندي تمكن من ابتكار أساليب جديدة للجبر والحساب وتحليل المعادلات على النحو الذي لا يزال مستخدما إلى يومنا هذا.

ابتكر الصفر، ووضع أسس علم الجبر وبسط معادلاته.


وضع أسس علم الجبر

حيث وضع الأساس الصحيح لعلم الجبر الذي ما يزال يدرس إلى يومنا هذا في جميع أنحاء العالم باستخدام نفس المصطلحات التي استحدثها، فأطلق على الخوارزمي لقب "أبو الجبر"، وذلك بعد أن وضع أول كتاب في مجال الجبر واللوغاريتمات وهو كتاب "الجبر والمقابلة".


تبسيط المعادلات الجبرية

كانت المعادلات الجبرية حتى عصر الخوارزمي تمثل ألغازا معقدة من الصعب التفكير في حلها، لكن الخوارزمي بعبقريته تمكن من حل وتبسيط جميع المعادلات الجبرية المعروفة من الدرجة الثانية واستخراج جذورها الموجبة. وكان هذا يمثل انجازا كبيرا في هذا الميدان.

إنجازات أخرى:

  • البرهنة على صحة نظريات فيثاغورس عن المثلث القائم الزاوية.
  • اكتشاف الطرق الخاصة بتحديد مساحات الأشكال والسطوح الهندسية.
  • وضع الحلول العلمية لتوزيع أنصبة المواريث حسب الشريعة الإسلامية.


مؤلفاته

اهتم الخوارزمي بالتأليف والتدوين فترك رصيدا كبيرا وقيما من المؤلفات جمع فيها ما توصل إليه في أبحاثه العلمية، ونذكر من أهم مؤلفاته:

  • الجبر والمقابلة
    وهو من أشهر مؤلفاته دوّن فيه ابتكاراته التي توصل إليها، وجمع فيه التراث الرياضي لكل من الهنود واليونان والمصريين بالشرح والتبسيط، وأضاف عليه ما توصل إليه من المبادئ والقوانين والمصطلحات الجديدة لهذا العلم ومنها ما لم يكن معروفا من قبل مثل: الجذر، المفرد، العدد.

  • الربع المعمور
    في الجغرافيا ذكر فيه كل ما سجله بطليموس في مؤلفاته وأضاف الكثير من الجداول الفلكية، وهو الذي قال عنه مصطفى الشهابي في كتابه عن الجغرافيون العرب "يعتبر الخوارزمي واضع الأساس الأول لعلم الجغرافيا العربي".

  • الزيج الأول، والزيج الثاني.
  • الحساب ونسخته العربية مفقودة وهو موجود بالترجمة اللاتينية.
  • تقويم البلدان شرح فيه آراء بطليموس.
  • السند هند الصغير: وهو كتاب في الفلك.
  • العمل بالأسطرلاب.
  • رسالة عن الرخامة أو المزولة.


وفاته

توفي الخوارزمي في بغداد التي قضى فيها معظم حياته في دراسة الرياضيات والبحث فيها سنة ٨٥٠م إلا أن اسمه ظل خالدا في كل العصور التالية بفضل انجازاته وإسهاماته الكبيرة في العلوم الرياضية.

فاسمه اليوم غني عن التعريف فلا يكاد معجم أو قاموس من شتى اللغات يخلو من ذكره، وهذا دليل على فضله العظيم في الرياضيات ومدى إسهام جهوده وابتكاراته في خدمة العلم والعلماء إلى يومنا هذا، حيث ترجمت أعماله إلى مختلف اللغات الأجنبية كيف لا وقد كانت أعماله من مهدت السبيل لتقدم العلم . وعليه لا نبالغ إذا قلنا أن الخوارزمي كان من أعظم العبقريات الفذة التي أثرت في تاريخ العلوم.


المراجع

  • ميخائيل خوري، علماء العرب: ثابت بن قرة، الخوارزمي، ابن الهيثم، البيروني، (بيت الحكمة، بيروت، ١٩٧٠).
  • عاطف محمد، أشهر العلماء في التاريخ، الخوارزمي، (دار اللطائف، القاهرة، ٢٠٠٣).
  • تحقيق كتاب الجبر والمقابلة، محمد بن موسى الخوارزمي، (تحقيق علي مصطفى مشرفة، ومحمد موسى أحمد، بول باربيه، ١٩٣٧).

لا تنس أن تشاركنا رأيك بالتعليق والإعجاب . وأيضا، إعادة نشر المقال مع أصدقائك

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow